محتويات المقالة
مرض كورو …… أكل لحوم البشر أو ما يُعرف بـ (Cannibalism)،
هو عبارة عن فعل تم التعارف عليه قديماً بين عددٍ من الأجناس منذ آلاف السنين. فمثلاً في كثيرٍ من الأحيان كانت القبائل تأكل من لحم أعدائها في الحروب اعتقاداً منهم
بأنهم سوف يحصلون على قوى الأعداء من جراءِ ذلك الفعل. كذلك بعد الفوز في المعارك، كانت بعض القبائل تقوم بطقوسٍ خاصة في الاحتفال من بينها أكل لحوم الفريق المُنهزم.
في مشهدٍ آخر نجد أن أكل لحوم البشر كان بمثابة طوق نجاة في بعض الحضارات، حيثُ يُستخدم كبديلٍ آخر للطعام في حالة المجاعات كما كان الحال أثناء حصار مدينة لينينغراد الروسية،
الذي استمر لمدة 900 يوم، ساد خلالها أكل لحوم البشر من قِبل 2000 شخص للنجاة من الموت والحصار الذي فرضه “هتلر” على البلاد خلال الحرب العالمية الثانية.
بعيداً عن الحروب والصراعات والمجاعات، نجد حالة أخرى من أكل لحوم البشر لجأت إليها بعض القبائل من أجل تكريم ذكرى فقيدهم،
ففي أثناء مُمارسة الطقوس الجنائزية كان أقارب الميت يقومون بنزع أعضاء جسده ويأكلونها حتى يُصبحوا جزءً منهم،
فهم يعتقدون أن دفن الميت تحت التراب ومن ثم تحلُل جسده عندما تأكله الديدان هو أمرٌ شنيع،
لذلك كانوا يُقدمون على أكل جسده أثناء ممارسة طقوس الجنازة، وهو ما أدى في النهاية إلى إصابتهم بمرض كورو “مرض الضحك المُميت”.
في هذا المقال من سوبراكلينيك سوف نلقي الضوء على تعريف مرض كورو
والذي يرجع أصل تسميته إلى الحركات الضاحكة الهستيرية التي تنطلق من المُصابين به من خلال حركات اندفاعية لا إرادية،
والتي نتجت عن أكل لحوم البشر وخاصةً منطقة المخ، لذلك سوف نُلقي الضوء على تاريخ المرض وأعراضه أيضاً وكيف ينتقل ويُسبب العدوى.
مرض كورو مرض الضحك الهستيري
كورو هو مرض خطير جداً يؤثر على الدماغ،
فهو أحد أنواع الاعتلالات الدماغية الإسفنجية (Transmissible spongiform encephalopathies) التي تُعرف باسم الأمراض البريونية،
وهي عبارة عن مجموعة من الأمراض تُصيب الجهاز العصبي والدماغ، وينتج عنها ظهور ثقوب صغيرة في القشرة المُخية فتأخذ المظهر الإسفنجي، ومن هنا جاءت التسمية.
تُعد الاعتلالات الدماغية الإسفنجية أمراضاً مُعدية، العامل المعدي بها هو بروتين “البريون” (الجُسيمات البروتينية المُسببة للعدوى) هذه البريونات تؤدي إلى عدد من الأمراض
تُصيب الحيوان والإنسان وتؤدي إلى ما يُعرف بمرض موت الدماغ، حيثُ تؤدي إلى داء جنون البقر وداء سكرابي الذي يُصيب الخراف،
أما بالنسبة للإنسان، فتؤدي البريونات إلى مرض كورو، مرض الأرق الوراثي المميت، داء غريستمان ستراوس ومرض كرويتسفيلد جاكوب الشبيه بمرض جنون البقر.
مرض كورو هو أيضاً مرض شبيه بمرض جنون البقر (Transmissible spongiform encephalopathies) الناتج عن استعمال الفضلات المُعالجة من الأبقار لتغذية أبقار أخرى،
تنجم هذه الأمراض عن تراكم غير طبيعي لبروتين البريون في المخ، يوجد البريون بشكل طبيعي في الجهاز العصبي وهو مكون مهم في جميع خلايا الجسم،
ويلعب دوراً مهماً في الإصابة بالعديد من الأمراض سواء في الإنسان أو الحيوان.
تاريخ مرض كورو
- في الفترة المُمتدة بين عامي 1968 و1975 لقيّ أكثر من 1100 فرد في المرتفعات الشرقية من مقاطعة بابوا في غينيا الجديدة مصرعهم في ظل ظروف غامضة
- وأعراض كانت تبدأ من خلال انخراط المريض بنوبة مُفاجأة من الضحك الهستيري المُندفع،
- ومن هنا كانت تبدأ المُعاناة لأشهرٍ تنتهي بفقدان القدرة على النطق السليم وآلام جمة في العضلات والمفاصل تنتهي بالموت لا محالة،
- وهو ما دفع العالم الأمريكي الشهير (كارلتون غايدوشك) ينكب على دراسة أسباب هذا المرض.
اكتشاف مرض كورو
- عكف الطبيب (كارلتون غايدوشك) على دراسة أسباب هذه الأعراض من خلال تشريح جثث الموتى المُصابين،
- ومن خلال الأبحاث المُتتالية اكتشف (كارتلون) وجود فجوات في أدمغة الجثث،
- انتشرت بعد قيام أفراد القبيلة بأكل جثث الموتى من أقاربهم خلال الطقوس الدينية للميت، وبخاصة أكل الدماغ.
- بمجرد موت أحد أفراد قبيلة (فور بغينيا) كانت النساء من أقارب الميت يجتمعن، ومن ثم يقُمن بفصل أجزاء الميت عن بعضها،
- ليقُمن بشوائها وأكل جميع أجزاء الجسم بما في ذلك القلب والأحشاء والمخ حتى العظام كان يقُمن بطحنها لتناولها مع الخضار، كل ذلك باستثناء الحويصلة المرارية.
- عادةً ما كان رجال القبيلة يمتنعن عن تناول لحم الموتى، اعتقاداً منهم بأن ذلك قد يجلب خطر الأعداء عليهم، فكان النصيب الأكبر من جثة المتوفي يذهب إلى أقاربه من النساء،
- اللاتي كان يقتسمن أجزاء الميت تعلى حسب درجة القرابة، واللاتي كانت يقُمن بطقوسٍ خاصة في أكل المخ،
- حيثُ يقُمن بكسر الجُمجُمة فور وفاة الفقيد ليُخرجوا منها المخ وهو نيئاً مازال حاراً وطازجاً ومن ثم يقتسمنه ويأكلنه،
- وعادةً ما كان الأطفال وكبار السن يُشاركون النساء في ذلك.
نسب انتشار مرض الضحك الهستيري
- انتشر مرض كورو بالتالي بين النساء والأطفال وكبار السن بصفة خاصة، وهو ما أدى إلى وفاة نسبة كبيرة من النساء،
- حيثُ كانت نسبة المُصابين بمرض كورو تُقدر بحوالي 90% من النساء
- حتى أن بعض القبائل كادت تختفي منها النساء نهائياً،
- ولم يخطر ببال أفراد القبيلة أن هذا المرض هو نتيجة لأكل لحوم البشر مما دفعهم للاستمرار في فعل ذلك.
- استمرت أعداد المُصابين بالمرض تتزايد تدريجياً، مما دفع الأطباء والباحثين إلى الاهتمام بدراسة المرض،
- خاصةً بعد وصول أول بلاغ عن مرض كورو من خلال بعض الباحثين الأستراليين
- الذين عكفوا على استكشاف المنطقة لمعرفة سبب المرض، وكان نص البلاغ كالتالي:
“أول أعراض الموت المُهدد هو ضعفٌ ووهنٌ عام، ثم يتبعه عدم قدرة على الوقوف. يلجأ ضحايا المرض إلى منازلهم. يٌمكن للمريض أن يأخذ القليل من الطعام،
لكنه يعاني من رعشاتٍ عنيفة. المرحلة التالية هي مكوث المريض في سريره وعدم القدرة على الأكل، ثم أخيرًا الموت”.
- توصل الأطباء والباحثين إلى أن سبب المرض هو اختلال في الجينات أدى إلى تغيير المبنى العام للبروتين، مما أخل بأداء وظائف البروتينات في الدماغ بشكل طبيعي،
- وهو ما أدى إلى تراكم البروتين الفاسد في أنحاء الحبل الشوكي والدماغ
- ويسبب ضرراً خاصاً في الذاكرة والسلوك شبيهاً بأعراض مرض جنون البقر.
أعراض مرض كورو
غالباً ما تكون فترة حضانة المرض 30 سنة أو أكثر، حيثُ يستمر المرض في الجسم مدة طويلة دون ظهور أي أعراض،
وبمجرد ظهور أعراض المرض يكون موت المُصاب وشيكاً خلال أشهر،
وتتمثل أعراض مرض كورو في أعراض فسيولوجية وعصبية، يُمكن تقسيمها إلى ثلاث مراحل، هي:
المرحلة الأولى من مرض كورو
- صداع ورعشة.
- ألم متوسط في العضلات.
- اضطراب في القدرة على الكلام.
- فقدان توازن الجسم وألم مستمر في المفاصل.
المرحلة الثانية من مرض كورو
- الترنح والرجفات.
- اضطرابات في الرؤية.
- تداخل في الكلام.
- تدهور التنسيق العضلي.
- فقدان القدرة على الحركة والمشي بشكل طبيعي.
- كما يدخل المريض في حالة من الاكتئاب، وحالة اندفاعية إلى الضحك بشكل هستيري.
المرحلة النهائية من مرض كورو
- نقص التناسق العضلي تماماً الذي يتطور إلى شلل وخرف.
- على القدرة على التحكم في البول.
- فقد الاستجابة للمؤثرات الخارجية.
- وجود صعوبة في بلع الطعام.
- ظهور تقرحات وصديد على جسم المريض.
- وتنتهي هذه الأعراض بموت أنسجة الجسم تدريجياً.
أسباب الإصابة بمرض كورو
يتواجد بروتين البريون بشكل طبيعي لدى الشخص السليم وفي جميع أغشية الثدييات بشكل مُحدد، في حالتين،
حيثُ أنه يذوب في الماء بشكل جيد، كما أنه قابل للتحلل والتفكيك بسهولة
وذلك من أجل أن يؤدي وظيفته في نقل الأيونات عبر أغشية الخلايا على أكمل وجه.
تتكون البريونات من البروتين فقط وتؤدي وظيفتها في جميع الخلايا بشكل طبيعي،
ولكن إذا حدث تغيير في مبنى البروتين فإنه يُصبح مُضراً ومُسبباً لمجموعة الأمراض
التي يُطلق عليها الاعتلالات الدماغية الإسفنجية. ويحدثُ هذا التغيير نتيجة التغيرات الجينية، أو في حالة التقاط جزئ البروتين المُسبب للعدوى من مصدر آخر خارجي،
وفي هذه الحالة المرضية لا لا تتحلل جزيئات البروتين إلا في الدهون،
وبالتالي لا تؤدي وظيفتها، ناهيك عن أنها تتراكم في الخلايا العصبية وينتهي بها الحال إلى تلف هذه الخلايا ومن ثم موتها.
يتراكم البروتين الفاسد المُسبب للعدوى في الخلايا العصبية، في الحبل الشوكي وجميع أجزاء الدماغ،
مما يؤدي إلى إعاقة وظائف هذه الأجزاء من الجسم، ويُسبب ضرراً جسيماً،
حيثُ يضر بالذاكرة ويخلق مشاكل في الرؤية بطريقة واضحة ويؤدي إلى اضطرابات في السلوك،
ناهيك عن اختلال توازن المريض بشكل لافت للنظر، وفي النهاية يؤدي ذلك إلى الموت بعد وفترة ليست بالقليلة.
نهاية مرض كورو
- لا يستطيع مريض الكورو الصمود بعد الإصابة بالمرض أكثر من عامين،
- حتى أنه في بعض الأحيان قد يموت المريض بعد 3 أشهر من ظهور الأعراض،
- التي عادةً ما تحدث نتيجة الإصابة بالالتهاب الرئوي وأيضاً عن طريق الإصابات المُنتقلة بسبب قُرح الفراش.
- جديرٌ بالذكر أن مرض كورو من الأمراض النادرة، وأنه قد اختفى تماماً في العصر الحالي،
- ذلك بعد أن أولت الحكومة وحملات التوعية الطبية وأيضاً نتيجة نفاذ القانون الأسترالي اهتماماً خاصاً
- لتقليل الطقوس الجنائزية الخاصة بأكل جثث الموتى في قبيلة فور بغينيا الجديدة،
- مما أدى إلى بدء نهاية مرض كورو، حيثُ انتهى المرض تماماً مع موت آخر حالة مُصابة في عام 2005.